الأحد، 14 مارس 2010

أخطاءٌ شائعة

واحد (قمرٌ)


تحلّ عليك أيامٌ لا قمرَ فيها يسلّي وحدك ..
وبعضُ أيامِ يمنّ عليك بأجزاءه لتتعلّم قانون الحبّ وتكتفي بالقليل ..
وأيامٌ أخرى تتوشّح السماء ملايين الأقمار ..
فلا تملك إلا أن تحتار في أمر هذا الحبيب!



اثنان (عينان)

أحياناً نبصِر بأكثر من عينٍ ما يدور حولنا .. ولا نعي
وأحياناً تكفينا عينٌ واحدةٌ لندركَ أن الإسراف في النظر هو
"السبب الرئيس لأمراض البصيرة المزمنة !"



ثلاثة (مثلّث)

اجعل زاويةً من زواياه المنغلقة على نفسها قائمة ..
 واستمتع بالانفتاح على العالم!



أربعة (ساعة حائط)

تُرى .. هل يتوقّف تيّار الزمن بين الزوايا الأربع ليغيّر الاتجاه من يمين إلى أسفل .. ومن يسار إلى أعلى ؟
 كم يلزمه من وقت ليُتِمّ دورة الساعة الكاملة ..
أكان من المفترض أن نجعل كل ساعات الأرض دائرية .. لننقص مقدارِ هذا الضائع من أوقاتنا ؟



خمسة (حواس)

ليست خمس .. بل واحدة تتفرّع منها البقية ذائعة الصيت
فحاسة الجمال وحدها التي تختزل قدرة البشريّ المطلقة على الاحساس .. لتأتي *البقية* مُكًمِّلة مُجَمِّلة ..
انظر إلى الأعمى .. استمع إلى الأصم .. تحاور مع الأبكم ..
 لتفهم ذلك بوضوح!



ستة (أسبوع بلا جمعة)
كجسدٍ بلا دم .. هي مجدِّدَة العهود ونبع الرحمات نستسقي منها ونستزيد..
فإذا نُسيَت ومرّت كسائر الأيام .. عانى البشر من داء فقدان البركة لتمرّ عليهم سنينٌ عجاف
أشهرها كأسابيع .. وأسابيعها كساعات !



سبعة (عددٌ أوّلي)

بل يقبل القسمة على حبٍّ ( ونفسه وواحد! )
عددٌ تتضاعف معه الأشواق ونبضات الحنين ..
 فكلًّ سنين الانتظار تبدأ بـ" سبعة" !



ثمانية (4 + 4 = ..)

طرقٌ أخرى لحلّ هذه المعادلة البسيطة :
4 + 4 = كفّان رفعت فيهما الأصابع عدا اثنين .. امتنعا بدافع التمرّد !
4 + 4 = سربُ حمامٍ غادر إلى السماء .. تاركاً وراءه اثنين : أحدهما ميّت .. والأخر قائم على قبره ينوح !

 

الخميس، 11 مارس 2010

مذكّرات إنسانٍ كان يحلُمُ أكثرَ مِنَ اللّازِم

الأربعاء  6 يناير 2010:

سأشتاق وجوهَهُم الكادِحة وجُهدَهُم المتواصِل .. رغمَ أنّهم لم يكونوا مميّزين .. لكنها حياتي جعلتْ في تلك الوجوه ذكرى أكسبتهُم أهميّةً فوق ما يستحقّونه!  أو ربّما أتاهُم الاستحقاقَ مع السنين ..!



توقُعُ الوداعِ أصعبُ بكثيرٍ من وَقعِهِ الحقيقيّ على النفس ..
ذلك لأنّ خوفنا الدائم من المجهولِ وترقّبِنا إياه بحذرِ القطّ البريّ يُهَوِّلُ ويُضَخِّم ويُرهِبُ من كل ماهو في الأساس بسيط..
فإذا حلَّ ذلك المجهول تلاشتْ مخاوفُنا .. ليس لشيء عدا ظهورِ مجهولٍ آخر يختطف الأضواء منه!



بعضُ النهاياتِ لا تأتي أبداً .. لذا فنحنُ نضطرُّ إلى استحضار وهمِها فقط لنجبرَ أنفسنا على النسيان ..
لكنّ ذلك الإجبار المُكرَه ما يلبث أن يصطدم بعبورٍ شيء ما .. يعود به إلى ضفاف الشوق .. إلى البداية!




الخميس ، 21 يناير 2010:

تتبدّدُ الحياة وتنقضي عبثاً .. في انتظارٍ حالةِ حبٍّ فوضويّ يوقض أشلاءها الممزّقة المرمية على ضفاف نهر الأقدار ..
حالةُ حبٍّ تعرِّفُ الدقائق والثواني .. تنفخ في عقارب الساعة المعلّقة فوق ذلك الجدارِ الرماديّ روح السعادة .. ليُكتب للحزين عمرٌ مجدِّد..



على حافّةِ الرحيل يقِفُ مستكشفاً أطلالَ قريةٍ تبيتُ في حضنِ وادٍ مظلم .. سمّتها قلوب العاشقين : الدُّموع
ليجدها باردةً موحِشة .. صادقةُ وفيّة ، تنحدِرُ إحدى قطرات السيل المتمرّد فتشقّ في قلبه دروباً -لم يقطعها الحب بعد- ملئ بالنيران ..
تحرُقُ صمته وتصهرهُ بكاءاً متفجّرا يبلغ قاعَ تلك الهاوية في ثوانٍ لا معدودة..
بعدها يدرك الحقيقة ويكتُب : هنا موطِن البرودةِ والوَحشَة



عندما نُخطئ تعاقِبُنا قوى البشرِ بالحرمان ..فالمجرِم يُحرم الحريّة .. والخائن يُحرَم الثقة ..
بينما قانونُ العدلِ الإلهيّ لا يعاقِب ولا يَحرِم .. بل يجودُ بالإحسانِ دوماً .. ويفتحُ مسارات أوسع وأرحب للحياة السعيدة.
سبحانه .. ما أكرمه!


الاثنين، 8 فبراير 2010

ألوان ..

من الذي ضَمن لنا حق التصنيف  لنفضّل بعضَ أمورٍ على بعض، وفق حجج واهية وترتيب أعمى، متعللين في أكثر الأحيان بالموضوعية والسبب والتأثير، أو بالعنصرية والتمييز في أسوء حالاتنا الإنسانيّة !
فحتى تلك الألوان المخلوقة في نسج لونيّ واحد، فرقنا بينها بأساسيّ وثانوي، متفرّد وممزوج، شائع و "غير مرغوب فيه " .

من الذي أعطى الأحمر – مثلا – امتيازاً على البنيّ ليكون الأول صفة قائمةً بذاتها، والثاني عائد على مصدر "بنّ" ؟
من الذي كسى السلام بالبياض ووشّح الظلمة بوصفها الأسود ؟
لم يختار الأطفال – لا شعورياًّ – الأزرق للسماء .. والأخضر للشجر .. والبنفسجيّ للورد ؟
أي طفولةٍ متحيّزة تلك ؟! أي كبتٍ تمارسه سلطة الموجود على الحواس لتقنعها بأن ما تراه العينان فقط هو ما يحق له الظهور، وأنَّ ما سوى ذلك ليس إلا خيالاً لا فائدة منه .. ولا معنى !

لو يعلمُ أولئك المحدودون بجفاف أفكارهم، المقيّدون بتكبّر مبادئهم، كيف نعيش في عالم من الخيال ..
 لتخلّوا عن كل شيء .. وسابقونا إليه، عَدْواً أو موتاً ..!

السبت، 30 يناير 2010

رافعيّات ..

"صُبّ ظلام الليل كله في قلبي وقِني من عداوةِ لئيمٍ يسوّدُ وجهَ الدنيا في عيني ويجعل قلبي من يأسه وانقباضه كأنه مملوء بالدم الغليظ الفاسد الذي رَكَد وخَبُثً بعد أن سال من جروح الصداقة !
ولك الله أيتُها الصداقة الشريرة في هذا العالم فلا تُلَمَّ بأحدٍ في حوادث الحياة إلا كما يلم ضيف البيداء إذ يتغطى بملاءة النهار نائماُ ، فمتى أظلمت الفِجاجُ المسفرة انطلق عليه سواد.
وهل أشدُّ وأوجعُ لعمري من سقطةِ إنسانٍ يتغفل عنه صاحبه حتى يستنيم إليه ويرتبط معه ثم يثب به فجأة وقد خذله خذلاً نارياً وَقَدَتْ عداوته ؟ ومن الذي يستطيع أن يتوقّى هذه المفاجأة ، بل كيف يستطيع ؟

يالله ! أنجدُ عداوةً ثابتة ولا نجدُ صداقة كالعداوةِ أو أقل ..
لقد أصبحتْ هذه الصداقةُ جسماً حياً بنوع من الحياة المادية يتمثّل في كل صديق ، فترى علامة حياتها وقوتها في الأصدقاء أن يصافح بعضهم بعضاً بالأيدي ويدوس بعضهم بعضاً بالأرجل ، فكأنهم إذا اكتفوا بالمصافحةِ واجتزؤوا بها مما عدا ذلك خافوا على أرجل الصداقة من الشّلل إن هي مُنعَتْ من الحركة ، أما القلب الذي تحيا به هذه الصداقة الخالدة ، فهو الحب الثابت الذي لا يتغير ولا يتحول ولا ينقص بل يزيد كما يصفه الأصدقاء فيما بينهم ، ذلك الحب الذي تسميه أقوالهم أسماءَ منتحلة ولكنك حين تتعرفه من أعمالهم لا تجدها تعرف له إلا اسما واحدا وهو الطمع ..

فاضحك الآن من صداقةِ النّاس إيها القمر الذي يعيش الطفولة الإلهية ، وها أنا ناظرٌ إليك فعسى أن يَسقطَ على قلبي شيء من هذا الضحك ، فإن لم يكن بمعنى منه يجعل الفكر ضاحكاً ، فإن لم يكن فلا أقل من أن يحرّك في ذاكرتي ذلك الهواء العطر الجامد في بعض زواياها فيندفع إلى قلبي بذلك الرّنين الذي حفظته الذاكرة من ضحك تلك الحسناء الفاتنة قبل أن تَحقَ النوى وينصدع الشمل وأبقته في نفسي لتسمعها منه في هذا الفراق الطويل ألحان الحب والأمل .

الصداقة كما عرفتُ منَك لا تكون كذلك حتى تدعَ الإنسان كأنه يشعر في السراء والضراء بنفسين ، فيضاعَفُ له السرور لأن كلتا النفسين تطلب الزيادة منه ويضعُف عنه الهم لأن كلتاهما تعمل لنقصه إذ هو هم نفس واحدة وتوزّعه نفسان ويكون الإنسان في الحالة الأولى كأته يلتقي وحيَ النّعمةِ لنفسه بروح السرور من صديقه ، وفي الحالة الثانية كأنه يلتقي روح الجزع بروح الاطمئنان ، وإنَّ أشقى الناس من لا يستطيع أن يجد إلى جنبه في سورة الجزع نفساً أخرى تجزع له باطمئنان ليطمئن في جزعه ، وهي الصداقة بعينها ، ومايلقّاها إلا ذو حظ عظيم ."


(مختارات من ما أبدعه خيال الأديب العربي : مصطفى صادق الرافعي - كتاب حديث القمر )